
"كنوز مصر" جولة فنية ناجحة قامت بها الفرق الفنية لجمعية الصعيد من 3 إلى 22 مارس 2025 بفرنسا، وشملت عروضًا فنية في سبع مدن فرنسية مختلفة، وهي: باريس (بمقر اليونيسكو)، وليل، وليون، وبوردو، وسانت أجريف، وسانت ميدارد أون جال، وكومبيين، وقد شهدت العروض حضورًا جماهيريًا كبيرًا وتفاعلًا لافتًا من الجمهور الفرنسي في كل مدينة من مدن الجولة.
وشارك في هذه الجولة 21 طفلًا وطفلة من محافظتي المنيا والأقصر، تراوحت أعمارهم بين 11 و16 عامًا، حيث قدّموا عروضًا متميزة في الغناء والتحطيب الرياضي والتراثي (لعبة العصا)، وقد جاءت هذه الجولة بدعوة من جمعية بارتاج الفرنسية، احتفالًا بمرور خمسين عامًا على تأسيسها، لإتاحة الفرصة للفرق الفنية التابعة لجمعية الصعيد للتربية والتنمية لتقديم تراثهم وفنونهم ورسالتهم الداعية إلى المساواة بين الولد والبنت.
الفرق المشاركة في الجولة الفنية
تضمنت جولة «كنوز مصر» عروضا فنية تبرز التراكم الفني لحضارات مصر المتعددة (فرعوني قبطي إسلامي) عبر الغناء الشعبي والتحطيب، والتراث الثقافي للنوبة، وضمت ثلاث فرق فنية:
كورال الصعيد بالمنيا : الذي تأسس عام 1987 بهدف إحياء تراث الصعيد الموسيقي والغنائي ورقصاته الاحتفالية والحفاظ عليه من الاندثار، وجمعت أغلب أغاني الكورال من الجدات، ومن الأغاني الشعبية التي كانت تغنى في حفلات الزفاف وأغاني الغربة ويوميات الفلاحين، وتوثق لمظاهر الحياة الاجتماعية القديمة في صعيد مصر. ويذكر أنه في العام 2003 تلقى الكورال دعوة من وزارة الثقافة المصرية لتقديم عروض بالأكاديمية المصرية للفنون بروما- إيطاليا، وكان ذلك أول مشاركة دولية لكورال الصعيد، وفي العام 2005 فاز الكورال بجائزة الإبداع الفني على مجمل أعامله من مكتبة الإسكندرية. وفي عام 2013 سافر الكورال إلى ألمانيا بدعوة من هيئة مسيو وقدم 20 عرضا بمدن مختلفة في ألمانيا، ابرزهم كانت مدينة "كولونيا".
كوال قيثارة طيبة بالأقصر: الذي تأسس في 2014 من أطفال مدارس الجمعية بمحافظة الأقصر بهدف حفظ الموروث الثقافي النوبي من الاندثار، وإحياء ونشر التراث النوبي اللغوي والموسيقي والاستعراضي وعزف الدفوف. وفي عام 2019 زار الكورال جزيرة هيسة بالنوبة للتعايش مع أهلها ومعرفة عاداتهم وتقاليدهم وحياتهم اليومية، وملابسهم وزينتهم، وأثمرت هذه الرحلة على وضع أزياء نوبية للفريق وشراء الدفوف ودق الرتم النوبي عليها، وتعلم الرقص الكنزي (النوبي القديم). ونقل أهم الأغاني النوبية الموروثة عندهم وترجمتها للعربية مثل (أغنية أووه أليري – أوه نوبا). وفي مارس 2022 شارك الفريق في فعاليات الدورة التاسعة عشرة من أيام الشارقة التراثية بالإمارات العربية المتحدة. وفي سبتمبر 2022 أحي الفريق حفل مرور 200 عاما على فك رموز حجر رشيد وذلك على المسرح الروماني بمكتبة مصر العامة بطريق الكباش بالأقصر.
فريق التحطيب الرياضي: الذي تأسس في 2017 بهدف إحياء تراث لعبة العصا الفرعونية، والتي قامت جمعية الصعيد بنشرها في ربوع الصعيد، وأشركت الفتيات في ممارستها لأول مرة في مصر بعد أن كان حكرا علي الرجال فقط، وصار اسمه التحطيب الرياضي.
وجاء هذا كله بعد أن قامت هيئة اليونيسكو بإدراج لعبة العصا – التحطيب في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية برقم (Tahtib، stick game (No. 01189) في 2016، وذلك بطلب تقدم به من مصر؛ باسم جمعية الصعيد، واللجنة الوطنية المصرية لليونسكو في عام 2013 وبعض النشطاء الثقافيين.
وبدأت الجمعية تقدم عروضا للتحطيب مستوحاه من جدران المعابد القديمة، نابضة بالحكايات الشعبية، وقامت بتكوين عدة فرق في مدن وقري الصعيد تضم الأولاد والبنات، وقامت بتدريبهم واشراكهم في العديد من الاحتفاليات المحلية والدولية.
ففي عام 2019 قام فريق التحطيب التابع لجمعية الصعيد، بتمثيل مصر في مهرجان (تشنجو) بكوريا الجنوبية، والذي ينظمه الاتحاد العالمي لفنون الدفاع عن النفس التراثية (WOMAU) تحت رعاية اليونيسكو، وقدم الفريق العديد من العروض المختلفة للتحطيب، مما ألقى ضوء عالميا على التحطيب المصري.
وتاريخيا يعتبر التحطيب شكلا من أشكال فنون الدفاع عن النفس في مصر القديمة. ثم أصبح مظهرا من مظاهر الاحتفال عند المصريين المعاصرين في صعيد مصر، وخاصة في الأفراح والاحتفالات، وكان يمارسه الرجال فقط أمام جمهور في حلقات بشرية، حيث يتضمن تبادل سريع وغير عنيف بين متنافسين، كل منهما يستخدم عصا طويلة بينما الموسيقى الشعبية بالآلات الشعبية تعزف في الخلفية.
"كنوز مصر" في مقر اليونسكو في باريس
جاءت ثاني حفلات الجولة الفنية بفرنسا في المقر الرئيسي لمنظمة اليونسكو بالعاصمة الفرنسية باريس، بعدما افتتحت الجولة بعرض أول في مدينة ليل. وقد شهد الحفل باليونيسكو حضورًا رفيع المستوى، إذ افتتحه سعادة سفير مصر بفرنسا ومندوبها الدائم لدى اليونسكو، السيد/ علاء يوسف، وألقى كلمة إلى جانب كلمات افتتاحية من الدكتورة فوميكو أوهينات - الأمينة العامة لاتفاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي، والمهندس/ هاني صابنجي - المدير العام لجمعية الصعيد، بالإضافة إلى السيدة/ كورين لوفيتش-بوفيه - نائبة رئيس هيئة PARTAGEالفرنسية، بحضور عدد كبير من سفراء وممثلي الدول الأعضاء وجمهور واسع من المهتمين بالتراث المصري.
وأشار سعادة السفير/ علاء يوسف، سفير مصر بفرنسا ومندوبها الدائم لدي اليونسكو في كلمته الافتتاحية إلى تسجيل مصر ملف التحطيب في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية عام 2016، مستعرضًا تاريخ ذلك الفن الذي يرجع إلى الحضارة الفرعونية، على نحو ما تم اكتشافه من خلال نقوش بأحد المواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى حوالي 2500 سنة قبل الميلاد، وتطور ذلك الفن على مر العصور، حيث أصبح لعبة احتفالية، خاصةً في صعيد مصر.
وأضاف معالي السفير أن تلك الفعالية يقدمها مجموعة من الأطفال المصريين من الجنسين، تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عامًا، قامت جمعية الصعيد بتدريبهم، بما يعكس جوهر اتفاقية اليونسكو لعام 2003 المعنية بصون التراث الثقافي غير المادي، لا سيما تأكيد الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه المجتمعات بالتعاون مع الدول في صون التراث الثقافي غير المادي وصيانته، والتوعية به، وضمان نقله إلى الأجيال الشابة. فضلاً عن تماشي ذلك الحدث مع أولوية اليونسكو بشأن المساواة بين الجنسين، إذ إنه لأول مرة يتم ممارسة ذلك الفن من جانب الفتيات، وهو ما يأتي تزامنًا مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق المرأة يوم 8 مارس الجاري.
سفارة مصر في باريس تستضيف وفد كنوز مصر
استقبل سفير مصر في فرنسا ومندوبها الدائم لدى اليونسكو، سعادة السفير/ علاء يوسف، وفد جمعية الصعيد للتربية والتنمية ووفدًا من هيئة بارتاج الفرنسية، وذلك بمقر السفارة المصرية بباريس يوم 5 مارس، لتهنئة فرق الجمعية على عرضهم الناجح في مقر اليونسكو بالعاصمة الفرنسية.
وأعرب معالي السفير عن إعجابه الشديد بالعروض التي قدمتها الفرق، مؤكدًا أنها أثارت لديه مشاعر الفخر والاعتزاز أمام الحضور. كما شدد على أن هؤلاء الأطفال يمثلون مصر وثقافتها العريقة بأفضل صورة تليق بها.
ساد اللقاء جو من الدفء بفضل حسن الاستقبال وكرم الضيافة، مما جعل الأطفال يشعرون وكأنهم عادوا إلى وطنهم. وتوجهت جمعية الصعيد بجزيل الشكر إلى معالي السفير/ علاء يوسف على دعمه الكبير لجمعية الصعيد، إذ كان له دور محوري في عرض الفرق على مسرح اليونسكو، وهو من بادر باقتراح الفكرة وأجرى اتصالاته لضمان تحقيقها. كما تثمّن الجمعية تشجيعه المستمر لفرق الجمعية خلال باقي حفلاتها في فرنسا. وتقدم الجمعية الشكر إلى السيدة/ ماهيتاب مرزوق - حرم معالي السفير، وفريق عمل السفارة المصرية، على دعمهم الكبير ومشاعرهم الصادقة.
لقاءات للتبادل الثقافي مع 9 مدارس فرنسية
لم تقتصر جولة كنوز مصر في فرنسا على العروض الفنية فحسب، بل ضمّت أيضًا زيارات لمدارس فرنسية شملت لقاءات ثرية للتبادل الثقافي والمناقشة في موضوعات ثقافية مختلفة بين الطلاب المصريين والفرنسيين في تسع مدارس منتشرة في سبع مدن فرنسية، وهي: ليل، وباريس، وليون، وبوردو، وسانت أجريف، وسانت ميدارد أون جال، وكومبيين. وذلك استكمالًا لأنشطة مشروع «أطفال العالم معًا من أجل أهداف التنمية المستدامة» الذي تموله وترعاه الوكالة الفرنسية للتعاون الدولي وهيئة بارتاج الفرنسية، ويتضمن مشاركة أطفال المدارس من خمس دول (فرنسا، ومصر، ومدغشقر، وكمبوديا، وبنين) في لقاءات فيديو كونفرنس لتبادل الأفكار والآراء حول أحد المواضيع التالية: (المواطنة – البيئة – التعددية الثقافية – المساواة بين البنت والولد) بهدف اكتشاف أطفال العالم لنظرائهم في الثقافات الأخرى، واللغات الأخرى، والخلفيات الاجتماعية الأخرى، ليعملوا معًا على تشجيع التسامح والمواطنة العالمية، وتطوير التفكير النقدي لتأهيلهم إلى لعب دور مؤثر في العالم من حولهم.
وتعود شراكة جمعية الصعيد مع هيئة بارتاج الفرنسية إلى عام 2004، إذ عملا معًا بشكل فعال ومثمر في برامج التعليم والصحة لصالح أطفال الصعيد. وحاليًا – وبجانب برنامج العمل الأساسي – يتشاركان في مشروع "أطفال العالم معًا من أجل أهداف التنمية المستدامة".